السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
معنى قوله في حديث الوضوء : ( إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ
الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ )
روى مسلم (234) وأبو داود (169) والنسائي (148) والترمذي (55) وابن ماجة
(470) وأحمد (122) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ :
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ
أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ :
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ
وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ
مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) .
زاد الترمذي : ( اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ
التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ )
.
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره
.
ونظير ذلك ما جاء في فضل أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه :
روى البخاري (1897) ومسلم (1027) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ
أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا
عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ
بَابِ الصَّلَاةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ
الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ،
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ) فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى
أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ
تَكُونَ مِنْهُمْ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله
:
" مَعْنَى الْحَدِيث : أَنَّ كُلّ عَامِل يُدْعَى مِنْ بَاب ذَلِكَ
الْعَمَل , وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة "
لِكُلِّ عَامِل بَاب مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة يُدْعَى مِنْهُ بِذَلِكَ الْعَمَل "
أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيح .
وَفِي الْحَدِيث إِشْعَار بِقِلَّةِ مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ
الْأَبْوَاب كُلّهَا , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمُرَاد مَا يُتَطَوَّع بِهِ
مِنْ الْأَعْمَال الْمَذْكُورَة لَا وَاجِبَاتهَا ، لِكَثْرَةِ مَنْ يَجْتَمِع لَهُ
الْعَمَل بِالْوَاجِبَاتِ كُلّهَا , بِخِلَافِ التَّطَوُّعَات فَقَلَّ مَنْ
يَجْتَمِع لَهُ الْعَمَل بِجَمِيعِ أَنْوَاع التَّطَوُّعَات .
ثُمَّ مَنْ يَجْتَمِع لَهُ ذَلِكَ إِنَّمَا يُدْعَى مِنْ جَمِيع
الْأَبْوَاب عَلَى سَبِيل التَّكْرِيم لَهُ , وَإِلَّا فَدُخُوله إِنَّمَا يَكُون
مِنْ بَاب وَاحِد , وَلَعَلَّهُ بَاب الْعَمَل الَّذِي يَكُون أَغْلَب عَلَيْهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ عُمَر " مَنْ
تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " الْحَدِيث وَفِيهِ "
فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَاب الْجَنَّة يَدْخُل مِنْ أَيّهَا شَاءَ " فَلَا يُنَافِي مَا
تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِره أَنَّهُ يُعَارِضهُ , لِأَنَّهُ يُحْمَل عَلَى
أَنَّهَا تُفْتَح لَهُ عَلَى سَبِيل التَّكْرِيم , ثُمَّ عِنْد دُخُوله لَا يَدْخُل
إِلَّا مِنْ بَاب الْعمل الَّذِي يَكُون أَغْلَب عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ ,
وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من " فتح الباري " .
وقال القرطبي رحمه الله :
" جاء في حديث أبي هريرة : (
إن من الناس من يدعى من جميع الأبواب ) فقيل : ذلك الدعاءُ دعاءُ تنويه وإكرام ،
وإعظام ثواب العاملين تلك الأعمال ... ثم يدخل من الباب الذي غلب عليه العمل "
انتهى .
"التذكرة" (ص 533)
وقال القاري رحمه الله في
"المرقاة" (2 / 219) :
" قيل : فيخير إظهارا لمزيد شرفه ، لكنه لا يلهم إلا
اختيار الدخول من الباب المعد لعاملي نظير ما غلب عليه من أعماله ، كالريان
للصائمين " انتهى .
وينظر : "دليل الفالحين" (6 / 361) ، "عمدة القاري" (16 /
248) ، (24 / 262) .
والله تعالى أعلم .